في النهوض والتغيير (عالم بلا نساء) الآراء حول المرأة بين الفيزياء والبيولوجيا
كنت أنوي أن أحيي القراء الكرام بمقالة خفيفة صحية رياضية تبعدهم عن الغم والهم في أيام العيد, لكني قرأت تعليقاً على مقالتي (عندما يتحول الجهاد إلى إرهاب) في صفحة نقاشات يوم الاثنين 17/1/2005, وأعتذر هنا لأني لا أكتب التاريخ الهجري وذلك بغية الابتعاد عن الحرج الناجم من الاختلاف بين التقليد والتجديد في رؤية الهلال, إذ يكفي الحرج الذي تسبّبه مقالاتي عن المرأة كما لا يتسبّب عن أي موضوع آخر فمنذ زمن طويل لم يَرِد اسمي في "نقاشات"؛ ولطالما طرحت هذا السؤال على نفسي: لماذا تحمل آرائي عن المرأة أصداءها معها دائماً؟ وبالطبع فإن سؤالي هذا لا يعني انزعاجي بل على العكس هو مجال فخر لأي كاتب أن يرى كلماته تتحول إلى برق ورعد كما حدث في مقالتي المذكورة مما أدى إلى اختلاط الأمور على الأخ القارئ الذي كتب التعليق فبدا واضحاً أنه لم يفرّق بين كلامي في المقالة والكلام الذي استشهدت به من صحيفة الوطن كما لم يميّز أفكاري عن آراء بعض القراء التي وردت في صفحة نقاشات حيث نادوا بعمل المرأة كشرطية؛ وبالمناسبة أشكر الكاتب والمستشار القانوني علاء ناجي الذي أخجلني وصفه لي بالمبدعة وجعل مقالاتي وردود القراء عليها مثالاً عما هو إسلامي وما هو تقليدي؛ وأما الجواب على سؤالي بخصوص الحساسية من انتقاد وضع المرأة فقد لَخّصه الكاتب مشاري الذايدي بمقالته في صحيفة الشرق الأوسط 11/1/2005:(وهنا يصبح موضوع المرأة معقداً جداً، حتى إنه أعقد ربما من موضوع الإرهاب الديني السياسي! لأن الأخير محصور في خطاب "سياسي" ديني، بدون أن تكون له تلك الجذور الاجتماعية الضاربة في الأعماق، عكس موضوع المرأة التي تحالف عليها، فقه انتقائي منقود ومعارَض بفقه ديني آخر متقدّم إزاء المرأة بالقياس إليه، وكذلك تقاليد اجتماعية صارمة، أي أن خصمها هو خصم مركب ومتعدد).
لا أعتب على الأخ القارئ إذ وصف آرائي بالتناقض ما دامت الأمور قد اختلطت عليه, وليس هو الأول والأخير الذي يفهمني وغيري من الكتاب بهذه الطريقة السلبية, فمن يقرأ تحت ضوء ساطع ليس كمن يقرأ تحت ضوء الشموع أو تحت (لمبة) تعمل بنصف واط, كما إنه من المعلوم فيزيائياً أن فرق الكمون الناجم عن وصل آلة تعمل بتيار منخفض التوتر بمأخذ للتيار العالي يؤدي إلى احتراقها, وكذلك فإن فرق الكمون بين الرأي المستنير والعقل المعتاد على إنارة شحيحة قد يصعق المتلقي؛ ولذا يُعذر أولئك الأحبة الذين لا يتقبّلون الجديد من الأفكار, لكن لا يمكن التسامح مع من يتكسّبون ببقاء العقول تعمل ببطاريات صدئة, فقط لأن هذه البطاريات صناعتهم وتجارتهم فإذا بار سوقها فمن أين يستمدون أسباب بقائهم؟ وأطعِّم كلامي بمثال عمليّ وهو أن أحد منتديات الإنترنت أخذ مقالة لي ووضعها عنده للتداول في أمرها, هل يردّ عليها أصحاب المنتدى أم الأقلام "الواعدة" التي تكتب فيه أم تُحوَّل لبعض المشايخ ليروا رأيهم فيها, وذُكر اسم واحد منهم أملاً أن يُفحمني بردِّه, ولكن ذلك الشيخ يحمل نفس الأفكار التي أتبناها دون أن يستطيع التصريح بها مخافة العقل الجمعي؛ وفي برنامج إضاءات أوضح الشيخ سلمان العودة أنه لا يصرِّح دائماً بقناعاته واستشهد بقول الرسول عليه الصلاة والسلام لعائشة: (لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لهدمتُ الكعبة وأقمتها على قواعد إبراهيم), فهنا غاب عن الشيخ العودة أن الرسول دعا إلى ما هو أكبر من ذلك كنبذ عبادة الأصنام دون أن يراعي الناس, والسبب أن الرسول تصرّف في مكة كنبي مرسل فقط, أما بعد استتباب الدولة فقد أصبح قائداً سياسياً ومشرِّعاً قانونياً أيضاً, فلو أجبر الناس على تغيير قواعد الكعبة لحصلت فتنة, ومهمة القانون - كما يرى الشيخ محمد عبده- هو التحكم بالأوضاع القائمة وتنظيمها أما تغير المجتمع إلى ما هو أفضل فيكون عن طريق التربية والتعليم وهي مهمة رجل الإصلاح لا رجل السياسة.
ليست آرائي عن المرأة مخالفةً للشريعة ولا متناقضةً مع نفسها – كما ذكر أخونا القارئ العزيز – لكنها مخاصمة للآراء الفقهية المزاجية ومتناقضة مع العادات البائدة السائدة, ومن يقرأ مقالاتي كلها بوعي وفهم يدرك أنها حرب على الجمود والتشدد كما هي رفض للتغريب والتفلت, وسأعرض رسالةً وصلتني من إحدى الفتيات كمثال فقط على ما يصلني من رسائل, ومشكلة تلك الفتاة ليست ناجمةً عن تطبيق الشريعة بالتأكيد, لكنها ناتجة عن جهل بالشريعة وتشبّث بالتقاليد؛ تقول الأخت القارئة: ((أختي العزيزة ليلى: استمري .. استمري.. أنت صوتنا ومعك كل قلم صادق يكتب بأمانة ولا يخاف في الله لومة لائم.. عادات جافة وتقاليد بالية حرمتنا نحن النساء والفتيات حقوقنا الكثيرة التي كفلها الإسلام فلا تجعليهم يحرمونا من أصوات الحق التي تحيي الأمل في قلوبنا ونرجو أن لا يكون هذا الأمل بعيد. الإسلام يقول بلسان نبينا المصطفى خير البشر صلى الله عليه وسلم ( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه), لكن أنا وغيري كثيرات تقول لنا العادات والتقاليد التي لا يرضى المجتمع أن نخالفها- ولكن لا مانع من مخالفة الدين - تقول لنا: انتظري.. وانتظري.. وانتظري . . من يناسب قبيلتك.. من يناسب لونك... من يناسب مقياس المفاضلة التي ينادي بها مجتمعك لا المفاضلة التي ينادي بها الدين
وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا, إن أكرمكم عند الله أتقاكم), (لا فرق بين عربي ولا عجمي إلا بالتقوى) حتى وإن ضاعت سنين عمرك وزهرة شبابك.. الآن أجلس وحيدة أقرأ ما تكتبين وقد جاوزت الثلاثين ببضع سنين.. كل واحد في الأسرة اختار مصيره. . الشباب طبعاً.. حتى والدي اختار حياته الجديدة بعيداً عنا وعن أمي منذ 28 عاماً, بعيد عنا روحياً ثم بعد ذلك جسدياً فلا نراه إلا مرة أو مرتين في العام ولا يسأل عنا أبداً. كنت أرفض العرسان لأني كنت مسؤولة عن البيت, وأبي بعيد عنا ينعم بحياته مع زوجاته الشابات طبعاً؛ وتقدم لي عريس سنه مناسب ووضعه مناسب وكل شيء فيه مناسب خاصة دينه وخلقه, لكن أبي رفض لأنه ليس من قبيلتي, ولم يكلّف نفسه بترك محظياته الشابات ليسألني رأيي, وقال بالحرف الواحد: كيف أقابل الناس؟ سوف يعيرونني: زوّج ابنته ممن لا شأن له! كيف أحضر استقبالاتهم؟ وكيف وكيف؟ لكنه نسي كيف سيقابل ربه؟ والآن مرّت سنة ولم يتقدم لي أي عريس يناسب تقاليدهم التي لا أرفضها فقط بل أكرهها, وأحب سماحة ديني؛ العريس الذي رضيت به لا زال يتساءل عن سبب رفضه, لكن أبي لا حياة لمن تنادي.. والأهم أن سنوات عمري تضيع وتضيع وتضيع.. وأقسم أن حقي عندي ربي لن يضيع.. حسبي الله ونعم الوكيل.. وعذراً للإطالة.. مع تحياتي لك ولقلمك الصادق)).
أعد هذه الأخت ومثيلاتها أن قلمي لن يكلّ بإذن الله عن تناول قضاياهن طالما أن في العمر سعة وفي الصدر رحابة وفي العقل قوة, وسأشارك دائماً في تمزيق حُجب الظلام وقهر جيوش الجهل, فلا نهضة لأي مجتمع ما لم تصل المرأة لحقوقها وتتبوأ مكانتها وتحقق ذاتها وتظهر للعالم أجمع ماذا يعني أن تكون المرأة عربية مسلمة بشكل عام وماذا يعني أن تكون سعودية بشكل خاص, فرهاني هو على النساء السعوديات اللواتي يتمسّكن برداء الإيمان والفضيلة والحياء دون أن يشكّل لهن هذا الرداء أي عائق في طلب العلم وممارسة العمل, ولن تقبل المرأة السعودية أن تكون سلعةً للإغراء كما لن ترضى أيضاً أن تبقى إثماً للإخفاء؛ والمثال الأنقى والأجلى والأصفى هو النساء اللواتي شاركن في عملية فصل التوأم البولندي مع الدكتور الربيعة وأنقل وصف الأستاذ حسين شبكشي لهن من مقالة له في صحيفة الشرق الأوسط: (وجه سوي يظهر فيه دور المرأة السعودية في شخص الدكتورة خلود الرفيدي وهي جزء أساسي من فريق العمل والمعنية بشأن التخدير, فكانت تقوم بدورها على أكمل وجه مستفيدةً من علمها في شأن هام كالطب، بل وشاركت في الإجابة على أسئلة الإعلاميين بثقة وجدارة,كل ذلك وهي ترتدي حجابها الشرعي كما أمر به سيدنا وإمامنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاونها في هذا الأمر ثلاث سيدات سعوديات من فريق التمريض وهن منى الهزيع وفاطمة المسعودي وسميرة الغامدي).
كنت أريد أن أكتب للقراء الكرام عن الصحة فأصحح للزميل أبو الجعافر بأن التوكسوبلاسموز أي داء المقوسات وليس الحصبة الألمانية هو ما ينتقل عن طريق القطط للحوامل, ولأجيبه عن تساؤل طرحه: لماذا كان وأنداده من الأطفال يحبون أكل التراب؟ فالسبب هو نقص الحديد عند الطفل الذي يدفعه لتناول التراب الغني بالحديد؛ كما كنت أود أن أشرك فكرة الرياضة وضرورتها لجسد سليم, خاصة بعد أن عدت لرياضة المشي بمجرد أن وجدت مكاناً مناسباً في جدة بعيداً عن سيارات الصرف الصحي التي تعمل هذه الأيام بنشاط لتغيير شبكة الصرف القديمة التي كانت سببا لكثير من الأمراض؛ وما أحوجنا في عالم الأفكار لشبكة صرف صحي أيضا بحيث نطرح سيللوز الغثاء الفكري, ومن المعلوم بيولوجياً أن السيللوز مادة توجد في الألياف النباتية لا فائدة منها للجسم إلا أنها تنشّط حركة الأمعاء لتتم عملية الامتصاص والإطراح بشكل طبيعي, أما إذا كان القولون ملتهباً مثل قولون أبي الجعافر فنصيحتي له أن يبتعد عن الأطعمة الدسمة كالكبسة, وبالطبع فإن نصيحتي لكل مصاب بسوء الهضم الفكري أن يتجنب المقالات الدسمة ما استطاع إلى ذلك سبيلا.